استراتيجية سلاسل الجزر

استراتيجية سلسلة الجزر (island chain strategy)، هي خطة احتواء بحري استراتيجية ابتكرها لأول مرة رجل السياسة الخارجية الأمريكي جون فوستر دلس عام 1951، أثناء الحرب الكورية.[1] اقترحت إحاطة الاتحاد السوڤيتي والصين بقواعد بحرية في غرب المحيط الهادي لقوة الإسقاط وتقييد الوصول إلى البحر.[2]

لم يُصبح مفهوم "سلسلة الجزر" محوراً رئيسياً في السياسة الخارجية الأمريكية أثناء الحرب الباردة، لكنه ظل بعد حل الاتحاد السوڤيتي محوراً رئيسياً للمحللين الجيوسياسيين والعسكريين الأمريكيين والصينيين حتى يومنا هذا. بالنسبة للولايات المتحدة، تُمثل استراتيجية سلسلة الجزر جزءاً أساسياً من عرض القوة للجيش الأمريكي في الشرق الأقصى. أما بالنسبة لجمهورية الصين الشعبية، فيُمثل هذا المفهوم جزءاً لا يتجزأ من أمنها البحري ومخاوفها من الحصار الاستراتيجي من قِبل الولايات المتحدة وحلفائها. وبالنسبة لكل من الولايات المتحدة والصين، تُؤكد استراتيجية سلسلة الجزر على الأهمية الجغرافية والاستراتيجية لتايوان.[3]

سلسلة الجزر الأولى

محيط سلسلة الجزيرة الأولى (باللون الأحمر).

سلسلة الجزر الأولى first island chain، يشير لأول سلسلة من الأرخبيل خارج ساحل البر القاري الشرق آسيوي. يتكون بصفة أساسية من جزر كوريل، الأرخبيل الياباني، جزر ريوكيو، تايوان، شمال الفلپين، وبورنيو؛ من شبه جزيرة كامچتاكا حتى شبه جزيرة الملايو. حسب بعض تعريفات ترتكز سلسلة الجزيرة الأولى على الحافة الشمالية لساحل الشرق الأقصى الروسي شمال جزيرة سخالين، حيث تعتبر جزيرة سخالين أول رابط في السلسلة.[4] ومع ذلك، يعتبر آخرون ألوشن هي الرابط الأولى في أقصى الشمال الشرقي بالسلسلة.[5]

أصبحت سلسلة الجزيرة الأولى ذات أهمية للعقيدة العسكرية الصينية. ترى الصين سلسلة الجزيرة الأولى كمنطقة يجب تأمينها وعزلها عن القواعد، الطائرات ومجموعات حاملات الطائرات الأمريكية، وأنها عند الدفاع عن نفسها يجب أن تطلق العنان لنفسها تكتيكياً للهجوم الاستباقي على العدو. تهدف هذه العقيدة إلى غلق البحر الأصفر، بحر الصين الجنوبي وبحر شرق الصين داخل قوس يبدأ من ألوشن في الشمال حتى بورنيو في الجنوب.[6] حسب تقارير أصدرتها مؤسسات سي إس بي إيه وراند الفكرية الأمريكية، بحلول 2020، ستكون الصين في طريقها لإيجاد وسيلة لإنجاز سياسة سلسلة الجزيرة الأولى.[7]

سلسلة الجزر الثانية

تشمل سلسلة الجزر الثانية الجزء الشمالي الأوسط من الحدود إلى حوض المحيط الهادي، وسلسلة الجزر الثالثة كجزء من الامتداد الجنوبي للحدود.

سلسلة الجزر الثانية، وتسمى أيضاً "غيمة الجزر الثانية" حسب إيرل هانكوك إليس،[8] وهناك تفسيران مختلفان، لكن النسخة الأكثر استخداماً يشير إلى سلسلة الجزر التي تتكون من جزر بونين وجزر البراكين اليابانية، بالإضافة إلى جزر ماريانا (وأبرزها گوام، وهي إقليم غير مشهر تابع للولايات المتحدة مع قاعدة عسكرية محصنة بشدةوجزر كارولين الغربية (ياپ وپالاو)، وتمتد إلى غينيا الجديدة الغربية.[1] تخدم السلسلة كحدود بحرية شرقية لبحر الفلپين.[بحاجة لمصدر]

ونظراً لوقوعها في الجزء الأوسط من غرب المحيط الهادي، فهي بمثابة خط دفاع استراتيجي ثاني للولايات المتحدة.[1]

في نوفمبر 2025 أعلنت علماء صينيون عن اختبار روبوت تعدين مصمم لجمع الفلزات النفيسة من قاع المحيط. الروبوت مُجهز بأربعة مسارات مُستقلة، كل منها قادر على تعديل ارتفاعه تلقائياً. الصورة: المركز الوطني لبحوث هندسة التعدين المعدني.


الروبوت الصيني الذي كُشف عنه في نوفمبر 2025، والمصمم لتعدين قاع المحيط. المصدر: المركز الوطني لبحوث هندسة التعدين الفلزي.
صورة لروبوت التعدين الصيني في قاع المحيط الهادي، نوفمبر 2025.

لقد ذهب العلماء والمهندسون الصينيون إلى ما هو أبعد من سلسلة القواعد العسكرية الأمريكية المعروفة باسم سلسلة الجزر الثانية، حيث وصلوا إلى جبل بحري في غرب المحيط الهادي على عمق 2000 متر تحت سطح الماء، لاختبار مركبة تعدين ذكية مصممة لحصاد الرواسب الغنية بالكوبالت، وجمع بيانات الأداء الحرجة. وأظهر الروبوت المنجم قدرته على عبور قاع المحيط الوعر المليء بقشور الكوبالت، وضبط وضعيته بشكل مستقل لتجنب الانقلاب أو الاحتجاز.[9] أُجري الاختبار على بعد 1000 كم شرق جزيرة گوام، التي تقع ضمن سلسلة الجزر الثانية التابعة للولايات المتحدة في غرب المحيط الهادي.

القشور الغنية بالكوبالت هي طبقات بطيئة النمو من أكاسيد الحديد والمنجنيز، تُغطي سفوح الجبال البحرية. تتشكل هذه القشور على مدى ملايين السنين نتيجة ترسب الفلزات من مياه البحر، وتحتوي على فلزت قيّمة مثل الكوبالت والنيكل والپلاتين، وتوجد أغنى رواسبها في المحيط الهادي. وتؤكد هذه التجربة التاريخية أن طموحات الصين في مجال التعدين في أعماق البحار تتحول بسرعة من مجرد فكرة إلى حقيقة واقعة - وهو التحول الذي من شأنه أن يعيد تشكيل سلاسل التوريد العالمية للفلزات الحيوية ويكثف المنافسة الجيوسياسية على الموارد المحيطية.

إدراكاً للأهمية الاستراتيجية لهذا المورد، أطلقت وزارة الدفاع الأمريكية في وقت سابق من عام 2025 خطةً لتخزين الكوبالت. إلا أنه بحلول أكتوبر، أُلغيت المبادرة بسبب تحديات فنية ولوجستية غير متوقعة. يأتي هذا التراجع في وقتٍ تُهيمن فيه الصين بالفعل على إمدادات الكوبالت العالمية، مُسيطرةً على مُعظم طاقة تعدين وتكرير الكوبالت في العالم. ومع ذلك، فإن احتياطيات الكوبالت الأرضية محدودة للغاية، حيث يقع العديد من المناجم في مناطق نائية وعالية المخاطر ومُتقلبة سياسياً في أفريقيا، حيث يكون الاستخراج مُكلفاً.

سلسلة الجزر الثالثة

سلسلة الجزر الثالثة هي الجزء الأخير من الاستراتيجية. تبدأ هذه السلسلة من الجزر عند جزر ألوشن، وتمتد جنوباً عبر وسط المحيط الهادي باتجاه أوقيانوسيا، مارة بجزر هاواي، ساموا الأمريكية، وفيجي، وصولاً إلى نيوزيلندا.[1] تعتبر أستراليا بمثابة العنصر الأساسي بين السلسلتين الثانية والثالثة.[بحاجة لمصدر]

سلسلتا الجزر المقترحة الرابعة والخامسة

تُجادل مبادرة الشفافية البحرية الآسيوية، وهي مجموعة تابعة لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، بضرورة إضافة سلسلتي جزر رابعة وخامسة إلى الفهم الشامل للاستراتيجية البحرية الصينية في منطقة المحيطين الهندي-الهادي. فبينما تقع السلاسل الجزرية الثلاث الأولى في المحيط الهادي، تقع السلسلتان المقترحتان حديثاً في المحيط الهندي، مما يعكس الاهتمام الصيني المتزايد بالمنطقة.[1]

وتتضمن السلسلة الرابعة المقترحة أماكن مثل لاكشادويپ، المالديڤ ودييگو گارسيا لتعطيل نقاط مسار عقد اللآلئ باتجاه الخليج العربي مثل ميناء گوادر وهامبانتوتا؛ في حين أن السلسلة الخامسة المقترحة ستنشأ من معسكر ليمونيه في خليج عدن، حول القرن الأفريقي وعلى امتداد ساحل شرق أفريقيا بالكامل عبر قنال موزمبيق (بين موزمبيق ومدغشقر، بما في ذلك جزر القمر) باتجاه جنوب أفريقيا، لتطويق القاعدة البحرية الصينية في دوراليه، جيبوتي وتخريب تجارة الصين مع أفريقيا.[1]

الهدف والأحداث

كان الهدف الرئيسي للعقيدة في الأصل هو أكبر بلد شيوعي، الاتحاد السوڤيتي. ومع ذلك، شملت أهداف إضافية بلداناً شيوعية أخرى مثل جمهورية الصين الشعبية، لاوس، ڤيتنام، وكوريا الشمالية. بعد حل الاتحاد السوڤيتي عام 1991، ومكانتها الاقتصادية البارزة في أوائل القرن 21، أصبحت الصين الهدف الرئيسي للعقيدة.[بحاجة لمصدر]

انظر أيضاً

المصادر

  1. ^ أ ب ت ث ج ح VornDick, Wilson (22 October 2018). "China's Reach Has Grown; So Should the Island Chains". Center for Strategic and International Studies. Archived from the original on 17 November 2020. Retrieved 12 November 2020.
  2. ^ Umetsu, Hiroyuki (1 June 1996). "Communist China's entry into the Korean hostilities and a U.S. proposal for a collective security arrangement in the Pacific offshore island chain". Journal of Northeast Asian Studies (in الإنجليزية). 15 (2): 98–118. doi:10.1007/BF03028144. ISSN 1874-6284. S2CID 150794431. Archived from the original on 29 June 2019. Retrieved 19 June 2020.
  3. ^ Yoshihara, Toshi (July 2012). "China's Vision of Its Seascape: The First Island Chain and Chinese Seapower". Asian Politics & Policy (in الإنجليزية). 4 (3): 293–314. doi:10.1111/j.1943-0787.2012.01349.x.
  4. ^ Wiktionary: first island chain
  5. ^ GlobalSecurity.org: People's Liberation Navy - Offshore Defense
  6. ^ “Asia's balance of power: China’s military rise: There are ways to reduce the threat to stability that an emerging superpower poses”, The Economist, dated 7 April 2012.
  7. ^ “China’s military rise: The dragon’s new teeth: A rare look inside the world’s biggest military expansion”, The Economist, dated 7 April 2012.
  8. ^ Erickson, Andrew S. (2024-08-01). "Geography Matters, Time Collides: Mapping China's Maritime Strategic Space under Xi - Mapping China's Strategic Space". National Bureau of Asian Research (in الإنجليزية الأمريكية). Archived from the original on 5 August 2024. Retrieved 2024-08-05.
  9. ^ "China crosses US second island chain with deep-sea cobalt mining rover in western Pacific". ساوث تشاينا مورننگ پوست. 2025-11-06. Retrieved 2025-11-07.